كورونا أم الهيمنة الرقمية؟.. السينما الأمريكية تواجه حرباً شرسة لأجل البقاء

Wonder Woman
Wonder Woman

كتبت هويدا حمدى :

قبل رحيله عن البيت الأبيض ،تبدو توابع سياسة الرئيس الأمريكي السابق ترامب شديدة العنف والقسوة على صناعة السينما الأمريكية ، وربما لن يغفر له أبدا صناع السينما ما اقترفه في حق صناعة تربعت على العرش في العالم كله ، وكان لها أهمية وأولوية قصوى لدى أمريكا ومن تعاقب عليها من رؤساء.

لم تكن الإدارة الفاشلة لأزمة " كوفيد ١٩ " والتي دفع ثمنها الاقتصاد الأمريكي كله - فيما عدا شركات الأدوية ومنصات البث التليفزيوني - هي الخطأ الوحيد الذي لن يغفره صناع السينما لترامب ومعاونيه ، والذي أدى لكارثة أغلقت دور العرض لما يقرب من عام ودفعت بصناعة السينما الأمريكية لحافة الهاوية ، ولكن كان خطأه الجسيم هو توجيه وزارة العدل لإلغاء مرسوم " بارامونت " الصادر بعد قضية هوليوود لمكافحة الإحتكار عام ١٩٤٨ والذي بدأت بعده هوليوود عصرها الذهبي ، وكانت الاستوديوهات الضخمة قبل هذا التاريخ تدير الصناعة كالمافيا، وحدها تحتكر الانتاج والتوزيع كاملا ، بما فيها النجوم ودور العرض ، فلا مجال لغيرها اطلاقا ، احتكار محكم تماما ، بعد ١٩٤٨ انهار نظام الاستوديوهات وبدأ عصر جديد شهد انطلاق وازدهار لصناعة السينما الأمريكية ، حتى جاء ترامب ليهد المعبد على أصحابه الذين طالما وقفوا أمامه معارضين ، فتم إلغاء مرسوم بارامونت الشهر الماضي ، وتنتظر الاستوديوهات الضخمة الآن أن يسمح لها بالعودة للتوزيع ، وبدأ العمالقة الجدد الآن ( نتفليكس و أمازون وديزني ويونيفرسال )  في عقد صفقات لشراء دور العرض لتسيطر منصاتهم على الصناعة تماما .

منذ بضعة سنوات حين انطلقت نتفليكس وبدأت في الاستحواذ على عدد كبير من المشتركين ، هاجمها كبار السينمائيين وشركات الانتاج ،لكنها بذكاء شديد كسبت المعركة وحسمتها لمصلحتها وسيطرت تماما على المشهد ،واستقطبت أشد أعدائها انتجت لهم أفلاما ، فعاد الهدوء للساحة متقبلين فكرة الوافد الجديد المتعاون ، إلى أن نظمت أمازون صفوفها ونافست بقوة ثم دخلت أبل وديزني ، لتلتهم الأخيرة عددا ضخما من المشاركين ، وكان الاتفاق ألا يعرض فيلم بأحد المنصات إلا بعد عرضه بدور العرض بتسعين يوما تقريبا ، واحترم الجميع الاتفاق الذي يراعي صالح صناعة السينما ، وهدأت الحروب على المنصات ، إلى أن حلت اللعنة بفيروس كورونا، فأصابت السينما في مقتل حين أغلقت دور العرض في معظم الولايات ، فأجلت الشركات عرض أفلامها وتوقف الانتاج تقريبا ولم يعد هناك وجود إلا للمنصات التي انتعشت وزادت قيمة أسهمها في سوق المال ، ولما طال انتظار الأفلام في العلب ومعها رؤوس أموال ضخمة ، اتفقت  شركة "يونيفرسال" مع شركة " AMC" لدور العرض على بث أفلامها على " VOD" بعد ١٧ يوم فقط من افتتاحها بدور العرض بدلا من تسعين يوما،لتتلقي الصناعة أولى الطعنات في هدوء ، إلى أن كانت الطعنة النافذة من " وارنر " ( مالكة HBO و شبكة CNN ) أعلنت منذ أيام عن عرض أعمالها بمنصة " HBO " في نفس توقيت عرضها بدور العرض ومنها " Wonder Woman " و"Dune"و" matrix 4"، لتقلب بذلك كل الموازين ، وتشعل من جديد المعركة بين المنصات وصناع السينما وأصحاب دور العرض الذين كانوا يتلقون الطعنات في صمت حتى بات السكوت ينبئ بكارثة وشيكة ، فارتفعت الأصوات تندد وتشجب وتدين ، ولكن هل هذا فقط هو سلاح صناع السينما في المعركة ؟! بالتأكيد لا ، فهناك حملة منظمة يقودها نجوم وكبار صناع السينما،منهم كريستوفر نولان الذي يعد أحد أكبر شركائهم لكنه وصفهم بأسوأ منصة ولايدركون حجم خسارتهم ، وانضم للحملة أصحاب دور العرض والذين ينتظرون من الرئيس الأمريكي الجديد بايدن أن يرد لهم الجميل ، فجميعهم كانوا معه ليس معنويا فقط ولكن ماديا أيضا وكان للنجوم ولشركات الانتاج والتوزيع ودور العرض  دعما ماليا كبيرا لحملة بايدن ، وقد اعتاد الحزب الديموقراطي أن يتلقي تأييدا كبيرا من هوليوود وصناع السينما ومن ولاية كاليفورنيا كلها المعروفة بانتمائها وولائها للحزب الديموقراطي ، وتأتي صناعة السينما في مقدمة مواردها  الضخمة ، وقبل ذلك كله يعرف بايدن وحزبه على مر التاريخ أهمية صناعة السينما لدي أمريكا في تحقيق أهدافها والسيطرة على العالم من خلالها ..لذلك سيكون ملف السينما وإنقاذها ودعم صناعها بين أولوياته لا محالة ، والأهم من ذلك صحوة صناع السينما وشركاتها الكبيرة أيضا لانعاش الصناعة ، فكما واجهوا قرصنة الآفلام بتقنية« الثري دي والفور دي» ، يواصل عباقرة الابداع ثورتهم تقنيا لجذب الجمهور لصالات العرض عند عودتها من جديد ، وهناك مفاجآت تتجاوز امكانات شاشات العرض المنزلي المتطورة جدا والتي ساهمت في الازمة بالتأكيد.

لكن ستبقي الحرب على السينما لسبب معلوم ،الرغبة في الهيمنة الرقمية على العالم ،هذا ماتريدة أمريكا الآن و الكل عليه تغيير قواعد اللعبة ، بما فيها صناعة السينما طبعا ،التوزيع والعرض التقليدي يخرج بالسينما من السيطرة ، أما المنصات فتحت رحمة الشبكة العنكبوتية ، وهو المطلوب مستقبلا ،لا وجود للحياة بلا انترنت حيث التحكم فيها بلمسة واحدة ! ، وهكذا لن يبقى شئ بإطاره القديم، والسينما في الطريق .. لكن كيف ستعيد السينما ترتيب أوراقها لتواجه معركة الوجود ولتبقي كما نعرفها ونحبها وبما يناسب العصر الجديد لرغبة أمريكا في الهيمنة الرقمية والتكنولوجية على العالم ؟ هذا ما تكشفه الأيام بعد زوال أزمة " كوفيد١٩".